فنون زخرفة وصبغ المنسوجات المصرية عبر التاريخ
كتب: عادل عبد المنعم الدمرداش
كتب: عادل عبد المنعم الدمرداش
منذ أقدم العصور، زين المصريون ملابسهم ومنسوجاتهم، وذلك باستخدام الخيوط المصبوغة أو القماش المصبوغ والنسيج المطبوع والخرز والثنيات والتطريز وحياكة قماش فوق آخر، بالإضافة إلى أشكال الزخارف المختلفة.
زخرفة الثياب المصرية القديمة
يعتقد الكثيرون بأن قدماء المصريين كانوا يرتدون ثيابا بسيطة. وكثيرا ما كانت الثياب تستخدم كخلفية لحلي معقدة، ولكنها كانت تلعب أيضا دورا مكملا. وكانت الحليات من الخرز والوريدات والترتر تثري مظهر الثياب. والوريدة هي حلية أو شارة مصنوعة من الشريط أو الحرير المطوي أو المجمع على نحو يشبه الوردة. واستخدم الخرز، خاصة على شكل الحلي، عبر الحضارة المصرية؛ من عصور ما قبل التاريخ، فصاعدا: ولكن عثر عليها أحيانا وقد حيكت في الثياب، كما أنها كانت في النادر تنسج في القماش. وقد أصبح التطريز شائعا في بداية فترة القرون الوسطى؛ وإن كان قد عثر على قصاصات قليلة يرجع تاريخها إلى عصر الأسرات. و"الأبليك" من الطرز الفنية الأخرى التي ظهرت في الدولة الحديثة، وارتبط عادة بالثياب الملكية. والأبليك طريقة لتثبيت زخرفة في قطعة نسيج أكبر. ومن أشكال الأبليك ما ينطوي على استخدام أنواع مختلفة من الضفائر لزخرفة الثياب. وأحيانا ما تكون للضفائر أهداب بطول الحواف؛ وفي تلك الحالة كانت الضفائر توضع على الحواف الخارجية لقطعة القماش. وفي غيبة الأهداب، فإن الضفائر كانت تحاك عبر القطعة أو على الحواف. وكانت الثياب تزخرف أيضا بالطيات، ويرجع تاريخ أقدم مثال لذلك، وهو لثوب زين أفقيا بالطيات؛ إلى الدولة القديمة. ومن الأمثلة بالغة التعقيد، ثوب بالمتحف المصري يحمل ثلاثة أنواع مختلفة من الطيات. فهذا الثوب مزخرف بمجموعة من الطيات البسيطة التي تفصلها سنتيمترات قليلة؛ ومجمعة من الطيات المتقاربة المتلامسة؛ وجزء بطيات على شكل سلسلة سمك الرنجة. وفي هذا النوع الأخير تظهر طيات خطوط رأسية على أبعاد منتظمة، ثم طيات خطوط أفقية تشكل معا أشرطة بها شارة أو حلية؛ أو زخرفة تتخذ شكل الرقم (8). كما طليت عدة قطع من الكتان، باقية من الدولة الحديثة وما بعدها؛ وتحمل رسوما بأشكال تتباين درجاتها من التعقيد.
صبغ الأقمشة في مصر القديمة
يمكن تعقب تاريخ استخدام صباغة الخيوط أو الثياب، مؤقتا، من قطعة قماش كتاني بنية اللون عثر عليها في طرخان، وترجع إلى الأسرة الأولى. ومن المؤكد أن صباغة الثياب كانت معروفة في أواخر الأسرة الثالثة أو أوائل الأسرة الرابعة؛ على أساس قصاصة قماش حمراء اللون من موقع ميدوم، وإن لم تنسج الثياب بانتظام من خيوط ملونة: حتى عصر الدولة الحديثة. ويمكن تقسيم مواد الصباغة في مصر القديمة إلى نوعين أساسيين: أصباغ المغرة والأصباغ النباتية. والمغرة هي طينة صلصالية مخلوطة من الأرض تتكون من أكسيد الحديد أو الصدأ. ويتحول أكسيد الحديد الأصفر، بفعل الحرارة (الحرق)، إلى أكسيد الحديد الأحمر؛ كما يمكن أن يستخدم لتكوين ألوان الأصفر والأصفر-البني والأحمر. ولصبغ الكتان بأكسيد الحديد تاريخ طويل في مصر، ربما يرجع إلي بداية عصر الأسرات؛ من قماش طرخان. وقد عثر أيضا على كتان مصبوغ باللون الأحمر لصبغة من أكسيد الحديد، في عدة مواقع أخرى أحدث؛ من بينها قرية العمال في تل العمارنة. وقد استخدمت عدة طرق لصباغة الثياب في عصر الأسرات؛ أقدمها طريقة "التلطيخ"، وفيها يوزع اللون في الثياب، ربما بمساعدة الطين أو الصلصال أو العسل. كما استخدم قدماء المصريين أيضا عملية تسمى بالصباغة المزدوجة؛ وفيها تصبغ الألياف والخيوط أو الثياب أولا بلون معين، ثم تصبغ ثانية بلون آخر: للحصول على لون ثالث. فاللون الأرجواني، مثلا، يتكون من اللونين الأحمر والأزرق؛ بينما يتكون اللون الأخضر باستخدام اللونين الأصفر والأزرق. وقد قام المصريون بصباغة خيوط الغزل أو الأقمشة المنسوجة. ومن الممكن أن تُلاحظ أحيانا مساحات بيضاء، في القماش المنسوج، أسفل الأماكن التي مر فيها الخيط الرأسي فوق خيط أفقي. وكان التبييض أيضا وسيلة فنية للزخرفة؛ لأن ارتداء ثوب أبيض كان لدى المصريين القدماء من دلالات الوضع الاجتماعي، وربما أيضا كدليل على النظافة.
التغيرات في أنماط زخرفة المنسوجات المصرية
استخدم المصريون الخامات، وخاصة الكتان، من العصور المصرية القديمة وحتى العصر البيزنطي. واحتفظت العناصر الزخرفية بالتأثير المصري القديم في مصر البيزنطية، ومنها علامة الحياة "العنخ" التي حلت محلها "الجاما"، وهي صليب محور. كما مثلت الطيور على نحو شبيه بالأسلوب المصري القديم. وسرعان ما تأثرت زخارف المنسوجات بالإسلام؛ فلم تعد للأشكال دلالاتها الرمزية الدينية التي كانت لها من قبل، وأصبحت مجرد عناصر زخرفية. وعلى خلاف الحال في مصر البيزنطية، حيث صور بطاركة الكنيسة وغير ذلك من المواضيع الدينية، نهى الإسلام عن رسم المخلوقات الحية؛ فلا توجد سوى أشكال آدمية قليلة من تلك الفترة. وقد رسم الفنان المسلم المخلوقات الحية؛ من طيور وحيوانات وبشر؛ بأسلوب تجريدي. وبدأت أنماط زخرفية أخرى في الظهور، خاصة منها أنواع الخطوط العربية، في عدد كبير من الأقمشة. وكانت تلك الزخارف جميعا تقريبا محصورة في الآيات القرآنية، أو اسم المزخرف وتاريخ إتمام العمل. واستخدمت أيضا تصميمات زخرفية نباتية تعرف تحت اسم "أرابيسك" كثيرا في الأقمشة. ومع تغير مواضيع التصميمات، تغيرت كذلك الخامات المستخدمة. فلقد كان الصوف محظورا في مصر، لأن القساوسة كانوا يعتبرونه نجاسة؛ فلم يرتدوا الثياب الصوفية. وفي مصر الإسلامية أصبح الصوف من أكثر الأقمشة استخداما بعد الكتان. ومن ناحية أخرى، فإن الحرير الذي استخدم بكثرة في العصر البيزنطي لم يعد مستحبا، وأصبح استخدامه محصورا فقط في حدود ما سمحت به الشريعة الإسلامية. واستخدمت خيوط الحرير لزخرفة الأقمشة الأخرى؛ ولكن فقط بنسب محدودة.
أساليب زخرفة المنسوجات الإسلامية
تعد الزخرفة بالطباعة والصباغة من الطرق الصناعية التي عرفتها مصر في العصر الإسلامي والتي كان لها جذور منذ العصر الفرعوني ثم في العصر البطلمي ثم الروماني واستمرت في العصر القبطي. وكانت عملية الطباعة تتم بواسطة قوالب مصنوعة من الخشب تحفر عليها الزخارف المراد طباعتها ثم تغمس في الأصباغ وتطبع على قطع النسيج. إذا كانت الزخارف المحفورة على القالب بارزة فإنها تظهر على النسيج بلون الأصباغ المستعملة، أما إذا كانت الزخارف غائرة على القالب الخشبي فإن الزخارف تأخذ نفس لون النسيج بينما يأخذ الإطار المحيط بها لون الأصباغ المستخدمة. أما الشمع فكان يستخدم لتغطية المساحات والزخارف التي لا يراد صباغتها بلون معين. ومن مواد الصباغة التي استعملها صناع المنسوجات عدة أصباغ طبيعية، وتنقسم مواد الصباغة التي استخدمت في أوائل العصر الإسلامي إلي قسمين: القسم الأول وهى بعض الأصباغ النباتية، ومن أهمها الأهرة، وهي صبغة صفراء تميل إلى الاخضرار، والزعفران، والعصفر، والكركم، والشلجم وهو نبات عصارته حمراء داكنة. والكركم هو نبات استوائي ينتج عن طحن جذرة لون أصفر. والقسم الثاني، وهي بعض الأصباغ الحيوانية، وتؤخذ من بعض الحشرات والديدان، مثل اللعلى وهي صبغة حمراء تؤخذ من حشرة تنمو على أشجار صمغية، وصبغة حمراء تؤخذ من الدودة القرمزية. ولقد ورد أسماء عدد من الصباغين الذين زاولوا مهنة الصباغة، مثل أحمد بن إبراهيم الصباغ، الذي توفى سنة 351 هـ/1132م، وعبد الغنى بن جعفر الصباغ، وغيرهم الكثير. كما كانت تتم زخرفة المنسوجات أيضاً بالتطريز بعد أن يتم صناعتها، وتستخدم إبرة الخياطة في عمل غرز التطريز وتستخدم فيها خيوط من مادة أغلى من مادة قطعة النسيج، وتستخدم الخيوط الحريرية من أنواع متعددة في أغلب الأحيان. واستمرت هذه الطريقة في مصر حتى نهاية العصر العثماني. ومن أساليب الزخرفة أيضاً، الزخرفة بالإضافة. ويتم هذا النوع من الزخرفة بإضافة قطع صغيرة من النسيج على مساحة كبيرة تختلف عنها في اللون وفى المادة في أغلب الأحيان. ويتم تثبيتهم بواسطة إبرة الخياطة وبغرز مختلفة. ويشتهر هذا النوع من الزخرفة في مصر باسم "الخيامية" والذي أطلق فيما بعد على المنطقة التي يتركز بها صناع هذا النوع من المنسوجات وهى منطقة الخيامية. كما استخدمت الإبرة في التطريز والإضافة وغيرها من مراحل إعداد المنسوجات.
أساليب الزخرفة على النسيج الإسلامي
تعددت الموضوعات الزخرفية التي ازدانت بها المنسوجات الإسلامية، وتنوعت تلك الزخارف فيما بين زخارف كتابة عربية وتكوينات هندسية، ونباتية، وزخارف كائنات حية آدمية أو طيور وحيوانات، أو كائنات خرافية مركبة فى بعض الأحيان. وحين نتأمل تلك الزخارف نجد أنها ترمز إلى مدلولات عديدة. فبعضها ذو مدلول سياسي كالكتابات العربية التي تزين المنسوجات الملكية، والتي تسمى بالطراز وتشير إلى أسماء الخلفاء والحكام والسلاطين. وكانت تلك الكتابات تمثل أحد الرموز الهامة التي تشير إلى سلطة الحاكم فهي أحد شارات السلطة في العصور الوسطى. وبعض الكتابات الواردة على قطع النسيج تمثل عبارات دعائية. كما أن بعض هذه الزخارف، وخاصة الزخارف النباتية المتعددة، تشير إلى مدى الحس الفني الذي بلغه الفنانون في العصر الإسلامي. كما تشير إلي مدى مقدرتهم على الدمج بين العديد من أنواع النباتات والأزهار والأفرع النباتية، وإظهارها بشكل جذاب يخطف الأنظار. ومما يدل على تلك المهارة الفنية، أن وقف مؤرخو الفنون أمام الزخارف النباتية المورقة ولم يجدوا اسما يطلقوه عليها غير اسم العرب فأسموها "أرابيسك". وكانت زخارف الكائنات الحية على المنسوجات تعكس الحياة اليومية للفنان، والبيئة من حوله. ومن هذه الزخارف مشاهد للحيوانات التي تقع عليها عينه وهى في أوضاع متعددة كأن تكون متتابعة، أو في وضع مطاردة، أو انقضاض، أو غيرها من الأوضاع. وفى بعض الأحيان يدمج الفنان بين جميع أنواع الزخارف على قطعة النسيج الواحدة، حيث نجد الأشكال الهندسية وبداخلها رسوم طيور وحيوانات، ورسوم زخارف نباتية مع الزخارف الكتابية أيضا.
حياكة المنسوجات الإسلامية
استخدمت أساليب متنوعة في صناعة وزخرفة المنسوجات الإسلامية في مصر واستخدم النساجون الأنوال الأفقية والرأسية في عملهم والتي استخدمت منذ العصور القديمة حتى الآن. ومن أهم هذه الأساليب النسيج ذو اللحمات غير الممتدة (القباطى):- وهذه الطريقة تستخدم اللحمات غير الممتدة أي التى لا تمتد بعرض قطعة النسيج، وقد استخدمت هذه الطريقة فى صناعة المنسوجات التى اشتهر بإنتاجها المصريين من قبل دخول الإسلام، واستمرت فى مصر الإسلامية إلى نهاية العصر الفاطمي وظل هذا الاسم يطلق على هذه الطريقة الفنية سواءً كان الصانع قبطيا أو مسلما واستعمال كلمة قباطى يوضح أن التسمية كانت نسبة إلى مصر وليس إلى طائفة معينة، وذلك مثل النسيج الدمشقي نسبة إلى دمشق، و نسيج موسلين هو من الموصل. وكان هذا النوع من المنسوجات يستخدم فى صناعة كسوة الكعبة المشرفة فى مكة. النسيج ذو اللحمة الزائدة طريقة استخدمت فى صناعة وزخرفة المنسوجات، وتنشأ زخارف اللحمة الزائدة من ظهور واختفاء خيوط اللحمة الممتدة في عرض المنسوج، وتقاطعها مع خيوط السدى ويوجد نوعان من زخارف اللحمة الزائدة منها الحقيقية والتقليدية والفرق بينهما أن في زخارف اللحمة الزائدة الحقيقية توجد لحمة أخرى بلون يخالف لون الأرضية تتخلل اللحمات الأصلية لتكون الزخرفة بينما فى زخارف اللحمة الزائدة التقليدية لا يوجد سوى اللحمة الأصلية. وأسلوب آخر استخدم فى صناعة وزخرفة نسيج وهو نسيج الزردخان وهو أبسط أنواع المنسوجات المركبة من حيث الناحية الصناعية، ويمتاز بظهور ألوان اللحمة على وجهي النسيج واختفاء خيوط السدى به اختفاء تاما، ويستخدم في صناعته لحمتان أو أكثر بألوان متباينة مع إعداد سداتين تختفي إحداهما اختفاءً تاما بين لحمات سطحي المنسوج. ومن الجدير بالذكر أن الزردخان كلمة فارسية تعنى دار السلاح ويرجح أنها أطلقت على هذا النوع من المنسوجات لأن الدروع المصنوعة من الزرد وغيرها من الأسلحة كانت تغطى بطبقة من نسيج سميك مزركش من الحرير الأصفر والأحمر.
المصادر والمراجع
1.تاريخ الطرز الزخرفية- أحمد يوسف،عزت مصطفى.
2.الزخرفة المصرية القديمة- أحمد يوسف، يوسف خفاجي.
3.الفن الإسلامي-أرنست كونك- بيروت 1966.
4.فن التصوير في مصر الإسلامية-د.حسن الباشا-دار النهضة العربية-القاهرة-44 ش طلعت حرب.
5.الفنون الإسلامية-م.س.ديماند- ترجمة:أحمد محمد عيسى-مراجعة وتقديم: د.أحمد فكري-دار المعارف-مصر-ط.أولى أغسطس 1954-ط.ثانية –يوليو 1958.
6. المنسوجات والألبسة العربية في العهود الإسلامية الأولى تأليف: صالح أحمد العلي- الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- تاريخ النشر: 01/04/2003
روابط ومواقع مهمة:
http://www.eternalegypt.org/
http://www.kenanah.com/
http://www.emuseum.gov.eg/
www.islamonline.net/
www.islamset.com/
زخرفة الثياب المصرية القديمة
يعتقد الكثيرون بأن قدماء المصريين كانوا يرتدون ثيابا بسيطة. وكثيرا ما كانت الثياب تستخدم كخلفية لحلي معقدة، ولكنها كانت تلعب أيضا دورا مكملا. وكانت الحليات من الخرز والوريدات والترتر تثري مظهر الثياب. والوريدة هي حلية أو شارة مصنوعة من الشريط أو الحرير المطوي أو المجمع على نحو يشبه الوردة. واستخدم الخرز، خاصة على شكل الحلي، عبر الحضارة المصرية؛ من عصور ما قبل التاريخ، فصاعدا: ولكن عثر عليها أحيانا وقد حيكت في الثياب، كما أنها كانت في النادر تنسج في القماش. وقد أصبح التطريز شائعا في بداية فترة القرون الوسطى؛ وإن كان قد عثر على قصاصات قليلة يرجع تاريخها إلى عصر الأسرات. و"الأبليك" من الطرز الفنية الأخرى التي ظهرت في الدولة الحديثة، وارتبط عادة بالثياب الملكية. والأبليك طريقة لتثبيت زخرفة في قطعة نسيج أكبر. ومن أشكال الأبليك ما ينطوي على استخدام أنواع مختلفة من الضفائر لزخرفة الثياب. وأحيانا ما تكون للضفائر أهداب بطول الحواف؛ وفي تلك الحالة كانت الضفائر توضع على الحواف الخارجية لقطعة القماش. وفي غيبة الأهداب، فإن الضفائر كانت تحاك عبر القطعة أو على الحواف. وكانت الثياب تزخرف أيضا بالطيات، ويرجع تاريخ أقدم مثال لذلك، وهو لثوب زين أفقيا بالطيات؛ إلى الدولة القديمة. ومن الأمثلة بالغة التعقيد، ثوب بالمتحف المصري يحمل ثلاثة أنواع مختلفة من الطيات. فهذا الثوب مزخرف بمجموعة من الطيات البسيطة التي تفصلها سنتيمترات قليلة؛ ومجمعة من الطيات المتقاربة المتلامسة؛ وجزء بطيات على شكل سلسلة سمك الرنجة. وفي هذا النوع الأخير تظهر طيات خطوط رأسية على أبعاد منتظمة، ثم طيات خطوط أفقية تشكل معا أشرطة بها شارة أو حلية؛ أو زخرفة تتخذ شكل الرقم (8). كما طليت عدة قطع من الكتان، باقية من الدولة الحديثة وما بعدها؛ وتحمل رسوما بأشكال تتباين درجاتها من التعقيد.
صبغ الأقمشة في مصر القديمة
يمكن تعقب تاريخ استخدام صباغة الخيوط أو الثياب، مؤقتا، من قطعة قماش كتاني بنية اللون عثر عليها في طرخان، وترجع إلى الأسرة الأولى. ومن المؤكد أن صباغة الثياب كانت معروفة في أواخر الأسرة الثالثة أو أوائل الأسرة الرابعة؛ على أساس قصاصة قماش حمراء اللون من موقع ميدوم، وإن لم تنسج الثياب بانتظام من خيوط ملونة: حتى عصر الدولة الحديثة. ويمكن تقسيم مواد الصباغة في مصر القديمة إلى نوعين أساسيين: أصباغ المغرة والأصباغ النباتية. والمغرة هي طينة صلصالية مخلوطة من الأرض تتكون من أكسيد الحديد أو الصدأ. ويتحول أكسيد الحديد الأصفر، بفعل الحرارة (الحرق)، إلى أكسيد الحديد الأحمر؛ كما يمكن أن يستخدم لتكوين ألوان الأصفر والأصفر-البني والأحمر. ولصبغ الكتان بأكسيد الحديد تاريخ طويل في مصر، ربما يرجع إلي بداية عصر الأسرات؛ من قماش طرخان. وقد عثر أيضا على كتان مصبوغ باللون الأحمر لصبغة من أكسيد الحديد، في عدة مواقع أخرى أحدث؛ من بينها قرية العمال في تل العمارنة. وقد استخدمت عدة طرق لصباغة الثياب في عصر الأسرات؛ أقدمها طريقة "التلطيخ"، وفيها يوزع اللون في الثياب، ربما بمساعدة الطين أو الصلصال أو العسل. كما استخدم قدماء المصريين أيضا عملية تسمى بالصباغة المزدوجة؛ وفيها تصبغ الألياف والخيوط أو الثياب أولا بلون معين، ثم تصبغ ثانية بلون آخر: للحصول على لون ثالث. فاللون الأرجواني، مثلا، يتكون من اللونين الأحمر والأزرق؛ بينما يتكون اللون الأخضر باستخدام اللونين الأصفر والأزرق. وقد قام المصريون بصباغة خيوط الغزل أو الأقمشة المنسوجة. ومن الممكن أن تُلاحظ أحيانا مساحات بيضاء، في القماش المنسوج، أسفل الأماكن التي مر فيها الخيط الرأسي فوق خيط أفقي. وكان التبييض أيضا وسيلة فنية للزخرفة؛ لأن ارتداء ثوب أبيض كان لدى المصريين القدماء من دلالات الوضع الاجتماعي، وربما أيضا كدليل على النظافة.
التغيرات في أنماط زخرفة المنسوجات المصرية
استخدم المصريون الخامات، وخاصة الكتان، من العصور المصرية القديمة وحتى العصر البيزنطي. واحتفظت العناصر الزخرفية بالتأثير المصري القديم في مصر البيزنطية، ومنها علامة الحياة "العنخ" التي حلت محلها "الجاما"، وهي صليب محور. كما مثلت الطيور على نحو شبيه بالأسلوب المصري القديم. وسرعان ما تأثرت زخارف المنسوجات بالإسلام؛ فلم تعد للأشكال دلالاتها الرمزية الدينية التي كانت لها من قبل، وأصبحت مجرد عناصر زخرفية. وعلى خلاف الحال في مصر البيزنطية، حيث صور بطاركة الكنيسة وغير ذلك من المواضيع الدينية، نهى الإسلام عن رسم المخلوقات الحية؛ فلا توجد سوى أشكال آدمية قليلة من تلك الفترة. وقد رسم الفنان المسلم المخلوقات الحية؛ من طيور وحيوانات وبشر؛ بأسلوب تجريدي. وبدأت أنماط زخرفية أخرى في الظهور، خاصة منها أنواع الخطوط العربية، في عدد كبير من الأقمشة. وكانت تلك الزخارف جميعا تقريبا محصورة في الآيات القرآنية، أو اسم المزخرف وتاريخ إتمام العمل. واستخدمت أيضا تصميمات زخرفية نباتية تعرف تحت اسم "أرابيسك" كثيرا في الأقمشة. ومع تغير مواضيع التصميمات، تغيرت كذلك الخامات المستخدمة. فلقد كان الصوف محظورا في مصر، لأن القساوسة كانوا يعتبرونه نجاسة؛ فلم يرتدوا الثياب الصوفية. وفي مصر الإسلامية أصبح الصوف من أكثر الأقمشة استخداما بعد الكتان. ومن ناحية أخرى، فإن الحرير الذي استخدم بكثرة في العصر البيزنطي لم يعد مستحبا، وأصبح استخدامه محصورا فقط في حدود ما سمحت به الشريعة الإسلامية. واستخدمت خيوط الحرير لزخرفة الأقمشة الأخرى؛ ولكن فقط بنسب محدودة.
أساليب زخرفة المنسوجات الإسلامية
تعد الزخرفة بالطباعة والصباغة من الطرق الصناعية التي عرفتها مصر في العصر الإسلامي والتي كان لها جذور منذ العصر الفرعوني ثم في العصر البطلمي ثم الروماني واستمرت في العصر القبطي. وكانت عملية الطباعة تتم بواسطة قوالب مصنوعة من الخشب تحفر عليها الزخارف المراد طباعتها ثم تغمس في الأصباغ وتطبع على قطع النسيج. إذا كانت الزخارف المحفورة على القالب بارزة فإنها تظهر على النسيج بلون الأصباغ المستعملة، أما إذا كانت الزخارف غائرة على القالب الخشبي فإن الزخارف تأخذ نفس لون النسيج بينما يأخذ الإطار المحيط بها لون الأصباغ المستخدمة. أما الشمع فكان يستخدم لتغطية المساحات والزخارف التي لا يراد صباغتها بلون معين. ومن مواد الصباغة التي استعملها صناع المنسوجات عدة أصباغ طبيعية، وتنقسم مواد الصباغة التي استخدمت في أوائل العصر الإسلامي إلي قسمين: القسم الأول وهى بعض الأصباغ النباتية، ومن أهمها الأهرة، وهي صبغة صفراء تميل إلى الاخضرار، والزعفران، والعصفر، والكركم، والشلجم وهو نبات عصارته حمراء داكنة. والكركم هو نبات استوائي ينتج عن طحن جذرة لون أصفر. والقسم الثاني، وهي بعض الأصباغ الحيوانية، وتؤخذ من بعض الحشرات والديدان، مثل اللعلى وهي صبغة حمراء تؤخذ من حشرة تنمو على أشجار صمغية، وصبغة حمراء تؤخذ من الدودة القرمزية. ولقد ورد أسماء عدد من الصباغين الذين زاولوا مهنة الصباغة، مثل أحمد بن إبراهيم الصباغ، الذي توفى سنة 351 هـ/1132م، وعبد الغنى بن جعفر الصباغ، وغيرهم الكثير. كما كانت تتم زخرفة المنسوجات أيضاً بالتطريز بعد أن يتم صناعتها، وتستخدم إبرة الخياطة في عمل غرز التطريز وتستخدم فيها خيوط من مادة أغلى من مادة قطعة النسيج، وتستخدم الخيوط الحريرية من أنواع متعددة في أغلب الأحيان. واستمرت هذه الطريقة في مصر حتى نهاية العصر العثماني. ومن أساليب الزخرفة أيضاً، الزخرفة بالإضافة. ويتم هذا النوع من الزخرفة بإضافة قطع صغيرة من النسيج على مساحة كبيرة تختلف عنها في اللون وفى المادة في أغلب الأحيان. ويتم تثبيتهم بواسطة إبرة الخياطة وبغرز مختلفة. ويشتهر هذا النوع من الزخرفة في مصر باسم "الخيامية" والذي أطلق فيما بعد على المنطقة التي يتركز بها صناع هذا النوع من المنسوجات وهى منطقة الخيامية. كما استخدمت الإبرة في التطريز والإضافة وغيرها من مراحل إعداد المنسوجات.
أساليب الزخرفة على النسيج الإسلامي
تعددت الموضوعات الزخرفية التي ازدانت بها المنسوجات الإسلامية، وتنوعت تلك الزخارف فيما بين زخارف كتابة عربية وتكوينات هندسية، ونباتية، وزخارف كائنات حية آدمية أو طيور وحيوانات، أو كائنات خرافية مركبة فى بعض الأحيان. وحين نتأمل تلك الزخارف نجد أنها ترمز إلى مدلولات عديدة. فبعضها ذو مدلول سياسي كالكتابات العربية التي تزين المنسوجات الملكية، والتي تسمى بالطراز وتشير إلى أسماء الخلفاء والحكام والسلاطين. وكانت تلك الكتابات تمثل أحد الرموز الهامة التي تشير إلى سلطة الحاكم فهي أحد شارات السلطة في العصور الوسطى. وبعض الكتابات الواردة على قطع النسيج تمثل عبارات دعائية. كما أن بعض هذه الزخارف، وخاصة الزخارف النباتية المتعددة، تشير إلى مدى الحس الفني الذي بلغه الفنانون في العصر الإسلامي. كما تشير إلي مدى مقدرتهم على الدمج بين العديد من أنواع النباتات والأزهار والأفرع النباتية، وإظهارها بشكل جذاب يخطف الأنظار. ومما يدل على تلك المهارة الفنية، أن وقف مؤرخو الفنون أمام الزخارف النباتية المورقة ولم يجدوا اسما يطلقوه عليها غير اسم العرب فأسموها "أرابيسك". وكانت زخارف الكائنات الحية على المنسوجات تعكس الحياة اليومية للفنان، والبيئة من حوله. ومن هذه الزخارف مشاهد للحيوانات التي تقع عليها عينه وهى في أوضاع متعددة كأن تكون متتابعة، أو في وضع مطاردة، أو انقضاض، أو غيرها من الأوضاع. وفى بعض الأحيان يدمج الفنان بين جميع أنواع الزخارف على قطعة النسيج الواحدة، حيث نجد الأشكال الهندسية وبداخلها رسوم طيور وحيوانات، ورسوم زخارف نباتية مع الزخارف الكتابية أيضا.
حياكة المنسوجات الإسلامية
استخدمت أساليب متنوعة في صناعة وزخرفة المنسوجات الإسلامية في مصر واستخدم النساجون الأنوال الأفقية والرأسية في عملهم والتي استخدمت منذ العصور القديمة حتى الآن. ومن أهم هذه الأساليب النسيج ذو اللحمات غير الممتدة (القباطى):- وهذه الطريقة تستخدم اللحمات غير الممتدة أي التى لا تمتد بعرض قطعة النسيج، وقد استخدمت هذه الطريقة فى صناعة المنسوجات التى اشتهر بإنتاجها المصريين من قبل دخول الإسلام، واستمرت فى مصر الإسلامية إلى نهاية العصر الفاطمي وظل هذا الاسم يطلق على هذه الطريقة الفنية سواءً كان الصانع قبطيا أو مسلما واستعمال كلمة قباطى يوضح أن التسمية كانت نسبة إلى مصر وليس إلى طائفة معينة، وذلك مثل النسيج الدمشقي نسبة إلى دمشق، و نسيج موسلين هو من الموصل. وكان هذا النوع من المنسوجات يستخدم فى صناعة كسوة الكعبة المشرفة فى مكة. النسيج ذو اللحمة الزائدة طريقة استخدمت فى صناعة وزخرفة المنسوجات، وتنشأ زخارف اللحمة الزائدة من ظهور واختفاء خيوط اللحمة الممتدة في عرض المنسوج، وتقاطعها مع خيوط السدى ويوجد نوعان من زخارف اللحمة الزائدة منها الحقيقية والتقليدية والفرق بينهما أن في زخارف اللحمة الزائدة الحقيقية توجد لحمة أخرى بلون يخالف لون الأرضية تتخلل اللحمات الأصلية لتكون الزخرفة بينما فى زخارف اللحمة الزائدة التقليدية لا يوجد سوى اللحمة الأصلية. وأسلوب آخر استخدم فى صناعة وزخرفة نسيج وهو نسيج الزردخان وهو أبسط أنواع المنسوجات المركبة من حيث الناحية الصناعية، ويمتاز بظهور ألوان اللحمة على وجهي النسيج واختفاء خيوط السدى به اختفاء تاما، ويستخدم في صناعته لحمتان أو أكثر بألوان متباينة مع إعداد سداتين تختفي إحداهما اختفاءً تاما بين لحمات سطحي المنسوج. ومن الجدير بالذكر أن الزردخان كلمة فارسية تعنى دار السلاح ويرجح أنها أطلقت على هذا النوع من المنسوجات لأن الدروع المصنوعة من الزرد وغيرها من الأسلحة كانت تغطى بطبقة من نسيج سميك مزركش من الحرير الأصفر والأحمر.
المصادر والمراجع
1.تاريخ الطرز الزخرفية- أحمد يوسف،عزت مصطفى.
2.الزخرفة المصرية القديمة- أحمد يوسف، يوسف خفاجي.
3.الفن الإسلامي-أرنست كونك- بيروت 1966.
4.فن التصوير في مصر الإسلامية-د.حسن الباشا-دار النهضة العربية-القاهرة-44 ش طلعت حرب.
5.الفنون الإسلامية-م.س.ديماند- ترجمة:أحمد محمد عيسى-مراجعة وتقديم: د.أحمد فكري-دار المعارف-مصر-ط.أولى أغسطس 1954-ط.ثانية –يوليو 1958.
6. المنسوجات والألبسة العربية في العهود الإسلامية الأولى تأليف: صالح أحمد العلي- الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- تاريخ النشر: 01/04/2003
روابط ومواقع مهمة:
http://www.eternalegypt.org/
http://www.kenanah.com/
http://www.emuseum.gov.eg/
www.islamonline.net/
www.islamset.com/
شكرا
ردحذف