الأربعاء، 21 يناير 2009

أشرف مروان..بين الحقيقة... والخيال

أشرف مروان
بين الحقيقة... والخيال

موت د.مروان المفاجيء،هل هو اغتيال أم انتحار أم قضاء وقدر؟!
هل كان وطنياً مخلصاً لبلاده أم كان عميلاً مزدوجاً؟!
وما هو مصير مذكراته التي تبخرت يوم رحيله المفاجيء؟!


عرض:عادل فضالي- مصر
في حياته قالوا عنه الكثير والكثير..ووصفوه بالطفل المعجزة أيام صعوده المبكر في عصر السادات..ووصوله لمنصب سكرتير الرئيس للمعلومات،ونفوذه البالغ الذي أثار البعض،فهاجموه بعنف،حتى خرج من الرئاسة..ليتولى منصباً آخر..ولم تتوقف الحملات ضده بل ازددات ضراوة.حتى ترك موقعه،واختفى في لندن..وهناك لم تتوقف وسائل الإعلام عن الحديث عن صفقاته الطائرة في العقارات والبنوك وتجارة السلاح وكل شيء!! وتناقلت صراعه الرهيب مع آل الفايد في لندن..وعندما رحل عن دنيانا في حادث مازال غامضاً..قالوا عنه أكثر وأكثر،واتهموه في سمعته الوطنية وأنه كان عميلاً مزودجاً لإسرائيل!.
وخرجت وسائل الإعلام تنقل عن مصادر إسرائيلية أخبار العميل "بابل" الذي خدع إسرائيل في حرب 73.
فأين الحقيقة في كل ما قيل..وهل كان أشرف مروان فعلاً عميلاً مزدوجاً؟أم كانت جميع مهامه بتكليف من السادات؟! وهل كانت مؤسسات الدولة وأجهزتها على علم بما يقوم به من أدوارٍ معينة ؟! وما حقيقة وفاته الغامضة وهل مات منتحراً أم مقتولاً أم قضاء وقدراً ؟! هل كان مروان ظالماً أم مظلوماً ؟!.
وما هي مصير مذكراته التي اختفت يوم رحيله الغامض؟!.
لابد أن الجيل الجديد سوف يتساءل عن حقيقة أشرف مروان وعن طبيعة دوره في حرب أكتوبر 73 ؟!. ومن حقه أن يعرف الحقيقة كاملة دون تزييف أو تجميل..
وكان لغياب المعلومات المتوافرة حول حادثة مصرع الدكتور أشرف مروان،وحول لغز الوفاة المفاجيء،وهل هو اغتيال أم انتحار أم قضاء وقدر؟! وتضارب الكتابات حول مروان،وهل هو وطني مخلص لبلاده أم كان عميلاً مزدوجاً؟! وذهاب بعض الكتابات إلى تصديق الروايات الإسرائيلية،حول العميل (بابل) أو أشرف مروان،وبعض الكتابات الأخرى التي تضم أشرف مروان إلى قائمة الأبطال الخالدين ورموز الأمة،الذين قدموا خدمات جليلة لبلادهم! ولماذا وردت تلك العبارة تحديداً على لسان الرئيسين السادات ومبارك؟!:
" أشرف مروان وطني مخلص لبلاده،قدم خدمات جليلة لمصر"!! كانت هذه العبارة تأتي دائماً عقب الحملات الموجهة ضد أشرف مروان،سواء في حياته أو بعد مماته!لكنها لم تمنع من استمرار الجدل العنيف حول حياة مروان وحقيقة مصرعه الغامض!.
وكتاب " أشرف مروان بين الحقيقة... والخيال" يناقش بشكل علمي موثق للأجيال القادمة حقيقة دور أشرف مروان في حرب أكتوبر 73،والأسئلة الشائكة حول انتحاره أو تصفيته بواسطة الموساد،بسبب ما أشاعوه عن كونه عميلاً مزدوجاً "ضلل" إسرائيل،وتسبب في هزيمتهم يوم كيبور"يوم العبور العظيم"أو أن اغتياله تم على يد تجار السلاح"ملعب الشياطين"؟!.
ويعترف الكاتب والصحفي محمد ثروت(مؤلف الكتاب) بأن خوفه من هذا الملف هو خوف من يسير في حقل من حقول الألغام..ولكن هاجس الحقيقة وحده،وضرورة توثيق الأحداث والمواقف الخطيرة في حياة الأمة،هو الدافع وراء هذا الكتاب.
والكتاب يشتمل على ستة فصول مذيلة بملحقٍ للوثائق والمراجع والصحف والدوريات التي استقى منها الكاتب مؤلفه هذا.وجاءت عناوين الفصول مثيرة لشهية القاريء لمتابعة المواضيع،وهي على التوالي: الصعود-الشبح-العاصفة-السقوط-اللغز-التحليل النفسي.
1- الصعود
ويبدأ فصل"الصعود" بسؤال: من هو أشرف مروان؟
اسمه محمد أشرف أبو الوفا محمد أحمد مروان..ولد في القاهرة في شهر يناير عام 1945.تنحدر أسرته من أصول صعيدية،وتحديداً من محافظة المنيا،وكان جده رئيساً للمحكمة الشرعية ورجلا أزهريا معروفا.أما والده فقد كان ضابطا بالقوات المسلحة،وترك الخدمة وهو برتبة لواء،وبعد إحالته للمعاش،عين رئيسًا لمجلس إدارة شركة الأسواق الحرة.أما والدة أشرف مروان،فكانت من عائلة عريقة تدعى"فايد"من صان الحجر،مركز بسيون،محافظة الغربية.
ونشأ" أشرف" مع أسرته في منشية البكري،وكانت له شقيقتان منى وعزة:وهي الأقرب على نفسه،وكانت موجودة معه في لندن لحظة سقوطه من شرفة منزله!وكان له شقيق أصغر منه يدعى " هاني" كان بعيدا تماما عن نشاطات شقيقه الأكبر!.
وقد حصل أشرف على شهادة الثانوية العامة من مدرسة كوبري القبة،ثم التحق بكلية العلوم،جامعة القاهرة،قسم الكيمياء. وقد اشتهر أشرف مروان بطوله الفارع،ووسامته وابتسامته التي لا تفارقه،وطموح جارف في شبابه.وكان يتردد على نادي هليوبوليس بمصر الجديدة،وهناك تعرف على الطالبة منى جمال عبد الناصر،الابنة الكبرى للزعيم عبد الناصر،والتي كانت صديقة لشقيقته "عزة"،وقد بدأ الحب يتسلل إلى قلب الشاب والفتاة،وكانت لعبة التنس بداية التقارب بين الحبيبين،كانت منى وقتها طالبة في الجامعة الأمريكية،بينما تخرج أشرف في كلية العلوم،جامعة القاهرة،قسم الكيمياء.وقد وافق الرئيس عبد الناصر على زواج أشرف مروان من ابنته "منى"،حتى قبل أن يراه ،لما سمعه من ابنته عن ذلك الشاب الذكي الطموح،الذي التحق بالمعامل المركزية للقوات المسلحة(كضابط مكلف)،لطبيعة تخصصه الدراسي،وتم عقد قرانهما في يوليو عام 1966.
عند رحيل عبد الناصر في 28سبتمبر 1970،كان مروان لا يزال في عمله كسكرتير مساعد للرئيس لشئون المعلومات،وفي أيام عبد الناصر استطاع أشرف مروان الحصول على درجة الماجستير في العلوم ، وقام بالتسجيل لدرجة الدكتوراه،ويؤكد مروان أنه حصل على الدكتوراه بعد عشر سنوات من الدراسة!.
وكان صعود أشرف مروان الخطير قد جاء في لحظات حاسمة من تاريخ مصر المعاصر،وقد صعد نجمه بانحيازه للسادات،في معركته ضد خصومه،عندما سلم رقبة معلمه سامي شرف،أحد مراكز القوى وسكرتير الرئيسين عبد الناصر والسادات للمعلومات.
واشتدت الحملة ضد أشرف مروان من بعض أصحاب المواقع في رئاسة الجمهورية.وفي 21مارس من عام 1976،خرج أشرف مروان من الرئاسة،وألغى الرئيس السادات المنصب..ولكن الرئيس منحه وساماً،واستدعاه إلى استراحته في الإسماعيلية لتكريمه وتكليفه بمهمة رئاسة الهيئة العربية للتصنيع(صورة غلاف الكتاب).
وكانت الهيئة العربية للتصنيع قد تأسست عام 1975،وساهمت كل دولة عربية بمليار و 200مليون دولار،بينما ساهمت مصر بالمصانع التي قدمتها،والتي بلغت قيمتها 300مليون دولار.
وأثناء تولي أشرف مروان لرئاستها،كان الرئيس السادات يرسله كمبعوث خاص للعديد من رؤساء وملوك وأمراء الدول العربية،كما تشير إلى ذلك وثائق وصحف تلك الفترة.
ولم تتوقف حملة الساداتيين ضده،وكلما ازددات علاقاته،وعاد إلى بؤرة الأضواء،كلما اشتد الهجوم عليه من رجال السادات وعبد الناصر على السواء!.
ونقل الصحفي موسى صبري للسادات حكايات مثيرة عن أموال باهظة وعلاقات تجارية لأشرف مروان،وذلك بشنه حرباً سرية،وقد اشتكى مروان للرئيس بسبب ذلك،ونقلت للسادات حكايات أخرى عن الهدايا الثمينة والتليفزيونات الملونة،التي يرسلها أشرف مروان لكبار المسئولين عن الهيئة،وقدم موسى صبري قائمة بأسماء الوزراء والمسئولين الذين قبلوا هذه الهدايا!.
وفي 10أكتوبر 1978،خرجت صحيفة الأخبار تزف البشرى في صدر صفحتها الأولى:"انتهت أسطورة أشرف مروان:قرار جمهوري بإقالته من الهيئة العربية للتصنيع..ونقله إلى وزارة الخارجية".
والغريب أنه رغم عزل أشرف مروان من رئاسة الهيئة العربية للتصنيع،فإنّ نفوذه ظلّ موجوداً داخل بيت الرئيس وكان يتردد على منزل الرئيس السادات باعتباره زوج كريمة عبد الناصر!فقد كان السادات يعتبر نفسه مسئولاً عن منى عبد الناصر كأب،بعيداً عن إبعاد مروان من الرئاسة!.
2- الشبح
كان أشرف مروان قد اختار الإقامة في لندن بعد أن أثار الصخب في القاهرة،واتجه إلى الأعمال الحرة في لندن،مستغلاً علاقاته العربية المتشعبة،خاصة مع الحكام ورجال الأعمال.
وعاد مروان أقوى مما كان.هناك بدأت علاقته بالمليونير المصري رشدي صبحي،الذي ترددت أقاويل حول مصادر ثروته وإرجاعها إلى تجارة السلاح،وقد خرج من عباءة رشدي..ثلاثة أشخاص،الأول هو احمد يوسف الجندي زوج ميمي طليمات(الأخت غير الشقيقة لإحسان عبد القدوس، وابنة روز اليوسف و زكي طليمات الممثل المسرحي المعروف)،واحمد الجندي سليل عائلة كانت صاحبة جمهورية زفتى إبان ثورة 1919،أما الثاني فهو محمد عبد المنعم علي الشهير بـ" محمد الفايد"،أما الرجل الثالث الذي خرج من عباءة رشدي فهو" أشرف مروان" ذاته،الذي كانت مصادر ثروته مثار جدل في مصر وخارجها.
وقد تعرّف أشرف مروان سنة1981،على عدو "الفايد" اللدود وهو رجل الأعمال البريطاني الشهير"تيتي رولاند"،الذي حاول انتزاع محلات هارودز من الفايد!.
وقد أصر أشرف مروان على أن يخوض الصراع مع تيتي رولاند ضد آل الفايد،مما وصلت معهم هذه الحرب إلى ساحات مجلس العموم البريطاني،عندما كشف النائب العمالي"دال كامبل سافورز" عن تورط أشرف مروان في عمليات تنصت على مكالمات محمد الفايد،وقد بلغت عملية التنصت ثمانية آلاف جنيه إسترليني في الساعة للخط الواحد!.
ولم تمر معركة الفايد و مروان مرور الكرام،فبعد وصول القضية إلى مجلس العموم البريطاني،شكلت الحكومة البريطانية لجنة برئاسة المستشار"جون جريفز"،للبحث في منابع ثروة أشرف مروان،وأصدر جريفز تقريراً يحمل اسمه،مما آثار ضجة في أوساط المال العالمية،لكن مروان تجاهل كل هذا،وظل يتنقل كالشبح من صفقة إلى أخرى،محققاً أرباحاً خرافية.وقد استطاع مروان في خلال سبع سنوات فقط من إقامته في لندن تكوين إمبراطورية اقتصادية كبيرة،فقد أنشأ شركة للاستثمار هناك قدر رأسمالها عام 1988 بعشرة ملايين دولار،وشارك في أسهم شركة" يولي بيك" بثلاثة ملايين جنيه إسترليني والكثير الكثير من شرائه لأسهم عقارات وشركات وطائرة خاصة لتنقلاته،وقصر فخم في لندن لمعيشته.
وقد ذكرت تقارير صحيفة"الفاينينشال تايمز" أن الغموض يكتنف ثروة الدكتور أشرف مروان وأنشطة خاصة ! وهو الذي كان يشار إليه في القاهرة على انه "الابن المعجزة"،بسبب النفوذ الذي مارسه، والإنجازات التي حققها، وهو في العشرينات من عمره!.



3- العاصفة
كان أشرف مروان على موعد دائم مع"العاصفة"،يفتح لها صدره بهدوئه القاتل دون أن ينحني أو يلين..لكن العاصفة هذه المرة لم تكن قادمة من القاهرة،حيث خصومه من الساداتيين والناصريين معاً بسبب صعوده السريع الذي جعل خصومه يطلقون عليه"الطفل المعجزة" الذي وصل على منصب سكرتير الرئيس السادات للمعلومات وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاما.
كانت "العاصفة" هذه المرة أخطر مما يتوقع وفوق ما يتصور عقله المدرب على حروب بالدهاء.
ففي أكتوبر 2002 وفي شهر رمضان المعظم!؟-صدر كتاب بعنوان "تاريخ إسرائيل" لمؤرخ إسرائيلي يدعى"أهارون بيرجمان"،وقبل أن يطرح الكتاب ،قامت صحيفة"يديعوت أحرونوت"الإسرائيلية قي سبتمبر عام2002 بنشر عرض لكتاب"بيرجمان" الضابط الذي ترك الجيش،وهاجر إلى لندن،واستقر هناك للعمل كأستاذ للتاريخ بجامعة لندن منذ عام 1989.
ورغم أن بيرجمان" لم يذكر أشرف مروان في كتابه بالاسم صراحة،بل وصفه"زوج الابنة"(أو صهر الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر).
وأثار الكتاب عند نشره لغطًا كبيرًا ليس في الشارع الإسرائيلي فقط ولكن في الشارع المصري والعربي ككل،وأبرز ذلك التناقض الكبير في شهادات ومذكرات القادة الإسرائيليين عن ذلك العميل المزدوج واسمه الكودي وطبيعة المهام التي قام بها.
4- السقوط
كان الطقس بارداً وغريبا في ذلك الوقت من شهر يونيو،وتحديدا يوم الأربعاء 27يونيو عام 2007،وفي الساعة الواحدة و40 دقيقة ظهراً؟! حين سمع الناس صوت ارتطام(اصطدام) أمام العمارة رقم 24 في شارع كارلتون هاوس تيراس بحي بيكاديللي سيركس الراقي بوسط لندن.
لم يتوقع أحد من سكان ذلك المبنى الراقي،أن يكون الرجل الذي سقط من شرفة المبنى هو نفسه الرجل الغامض أشرف مروان الذي يقطن في الطابق الخامس في البناية المكونة من ستة طوابق مقسمة على جانبين أحدهما يضم نوافذ ضيقة والآخر يضم شرفات واسعة تطل على حديقة كبيرة.
نهاية درامية لرجل يقف ببين الأسطورة والحقيقة والعتمة والضوء..نهاية متوقعة،لكنها مباغتة وغامضة ومثيرة،فقد توقفت آخر نبضات الرجل الغامض فوراً في وقت الظهيرة مثل أبطال المآسي الإغريقية دون حاجة للنقل إلى مستشفى،لضخ بعض الدماء في العروق الواهنة والقلب الذي أثكلته العواصف والأحزان العميقة.
صعود درامي وسقوط درامي كذلك من قصور الرئاسة وعوالم البيزنس وتجارة السلاح إلى الموت من شرفات لندن الضبابية..موت غامض لرجل أكثر غموضا كلاهما استجاب لنداء الآخر،ليستريح من عذابات المرض والعواصف الإعلامية والضغوط النفسية التي لا تحتملها أعتى عقول العالم.
كان أشرف مروان وحيداً في شقته لحظة سقوطه أو إسقاطه من الشرفة باستثناء مديرة منزله البرتغالية،التي كانت موجودة بالمطبخ لحظة وقوع الحادث،وكذلك الطباخ،بينما كانت شقيقته"عزة" موجودة خارج المنزل للتسوق في لندن،أما زوجته منى عبد الناصر فكانت – في ذلك الوقت- في بيروت،و ولداه جمال وأحمد أشرف مروان فقد كانا بالقاهرة،حيث يديران أعمالهما التجارية والإعلامية الخاصة بهما.
على الفور طار خبر الرحيل المفاجيء والغامض لأشرف مروان إلى القاهرة،حيث كانت نشرات الأخبار تذيع خبر سقوط أشرف مروان من شرفة شقته بوسط لندن.
وفي لندن كانت شرطة "سكوتلاند يارد" جاهزة – دائما ً- بالتصريحات القاطعة – في مثل هذه الحالات المماثلة مع المصريين - حيث أعلنت: أنه لا توجد شبهة جنائية حتى الآن وراء الحادث !؟.
5- اللـــــغز
شهدت الصحف المصرية والدولية والإسرائيلية جدلا واسعا،حول رحيل أشرف مروان،ودارت الكتابات والتحليلات الصحفية حول ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول: انتحار أشرف مروان ،بسبب اكتئابه ويأسه من عدم شفائه من مرض السرطان وأمراض أخرى،أو بسبب تزايد التشكيك في سمعته الوطنية من الموساد والمؤرخين الإسرائيليين.وعدم وجود أي رد مصري لاعتباره في حياته.
الثاني: اغتياله على يد الموساد وعملائه في الخارج،لأنه تسبب في خداع الإسرائيليين وهزيمتهم في حرب يوم الغفران،حرب أكتوبر 1973.
الثالث: اغتياله على يد تجار السلاح،بسبب دخوله في ملعب الشياطين،خاصة ما تردد عن دوره في "صفقة اليمامة" (أو الأسلحة البريطانية المقدمة للسعودية).
أما بالنسبة للسيناريو الأول: وهو فرضية الانتحار،فهي التي تبنتها الشرطة البريطانية في بداية التحقيقات،بناءً على روايات شهود،والذين رجحوا فرضية انتحار مروان بإلقاء نفسه من شرفة شقته بالدور الخامس،وبذلك اعتبرت شرطة لندن:"أنه لا شبهة جنائية وراء الحادث،وأنه لن تجري ملاحقة أحد"!.
ولكن - في يناير 2008 – قالت نفس المصادر الشرطية،بأن هناك شاهد أو معلومات وصلت إليهم من الولايات المتحدة الأمريكية حثتهم على فتح التحقيق مرة أخرى في فرضية أخرى وهي "القتل والاغتيال"..وحتى الآن لم تردنا أنباء أخرى على هذا السيناريو!.
أما السيناريو الثاني المفترض،الذي يفترض اغتيال مروان على يد الاستخبارات الإسرائيلية"الموساد" فقد ارتبط بفرضيات عديدة،منها أن أشرف مروان أو العميل "بابل" وهو الاسم الحركي لمروان،كما أطلقه عليه المؤرخ "بيرجمان"،وما نشرته الصحف الإسرائيلية( من أنّ أشرف مروان كان عميلاً مزدوجًا ) مما جعل الموساد أضحوكة أمام العالم،كل هذا أدى إلى تصفيته.
وقد ذهب إلى تأكيد هذا الاحتمال،نجل مروان نفسه "جمال" الذي أكد أنّ والده تلقى تهديدات من جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" قبل يومين فقط من حادث وفاته!.
6- التحليل النفسي
كغيره من الشخصيات القلقة في التاريخ..فيما بين صعوده ورحيله غموض لا حدود له،أشبه بقصر الأسرار المليء بالشفرات والألغاز والغرف المظلمة! كلما حاولت الاقتراب منه،ازداد غموضاً وتعقيداً تقف عنده حدود المنطق ودهاء الرجال.
فهو رجل متعدد الأوجه والأقنعة،صامت لدرجة لا تحتملها أعتى الصخور.. صلد لا تهزأ به العواصف،ولا تزعزعه الرياح العاتية.
صاحب وجه فولاذي..في مقدمته صلعة من آثار العمليات العقلية الكبرى وحروب الدهاء،وفي عينيه نظرة عميقة الأغوار،تحمل عشرات الأسئلة،التي لم تستطع إخفائها تلك النظارة العريضة،التي تحتل مسافة بارزة من وجهه،حتى أصبحت لازمة له في جميع الصور التي ظهر بها في المناسبات الخاصة والعامة.
والخلاصة...
يرى الباحث مؤلف الكتاب(محمد ثروت):أن التكوين الاجتماعي والنفسي لأشرف مروان،ترك آثاراً على شخصيته منذ صعوده المبكر وحتى سقوطه من أعلى شرفات لندن،ورحيله المفاجيء،وبالتالي فإنّ مسألة انتحاره أمر مشكوك فيه،وهو ما تنفيه أسرة مروان والأصدقاء المقربين منه،وعدد من الخبراء الأمنيين في مقدمتهم اللواء فؤاد علاّم(وكيل جهاز أمن الدولة المصري السابق)،وأساتذة علم اجتماع الجريمة،وهذا يجعل وجود شبهات جنائية وراء سقوطه بهذا الشكل الدرامي!؟.
ويرى كذلك المؤلف:أنّ أشرف مروان ليس بطلاً وليس خائناً،فهو رجل أدى دوره"المكلف به" مثل آخرين من الرجال قدموا لمصر خدمات جليلة ولم ينتظروا أي ثمن أو مقابل نظير ما فعلوه!!
و..تبقى كلمة...
إنّ تاريخ الأمم والشعوب،وقضايا الأمن القومي لا يجب أن يترك للاجتهاد الشخصي والأحاديث العاطفية،والتحليلات السطحية التي تزخر بها صحفنا وإعلامنا بمختلف ألوانه وأشكاله.
فغداً تتحول الوقائع والأحداث والشخصيات إلى تاريخ..وبعد غدٍ تصبح الصحف هي المصدر الوحيد للمعلومات،في ظل غياب الوثائق ورحيل شهود العيان وصناع الأحداث..وهنا تكمن الخطورة..وموضوع القلق..وهو أمر يحتاج إلى طول مناقشة وحوار..
******




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق